الجزء الثالث من سورة لقمان

 

تمهيد:

بعد سرد وصايا لقمان الحكيم لابنه بعبادة الله وحده والتخلق بالأخلاق الكريمة، وتذكير الناس بعظمة الله تعالى وقدرته على الخلق، وإمدادهم بنعمه الظاهرة والباطنة، أبان سبحانه سعة علمه اللامحدود، وبعض المظاهر الكونية الدالة على عظمته، وأن المشركين لا يعترفون بوجوده إلا في حال الشدة والضيق، كما أمر تعالى بالتقوى وبين سبيل الهداية وما استأثر سبحانه بعلمه من مفاتيح الغيب الخمسة.

  - ما هي تجليات قدرة الله تعالى وعظمته؟

  - وما هي مفاتيح الغيب؟

  - وماذا يخفي المقطع الأخير من حكم ومعاني من أجل الثبات على الحق والطريق المستقيم؟

 

سبب النزول:

* قَالَ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ الله: نَزَلَتِ الآيَةُ فِي بَعْضِ المُنْكِرِينَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالُواْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الله خَلَقَنَا أَطْوَاراً، نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَاماً، ثُمَّ تَقُولُ إِنَّا نُبْعَثُ خَلْقاً جَدِيداً جَمِيعاً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ! فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: ( مَّا خَلْقُكُم وَلَا بَعْثُكُمُ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) لِأَنَّ الله تَعَالَى لا يَصْعُبُ عَلَيْهِ مَا يَصْعُبُ عَلَى الْعِبَادِ، وَخَلْقُهُ لِلْعَالَمِ كَخَلْقِهِ لِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.

الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) -ج14  ص:78

 

* رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ بْنِ جَبْرٍ رَحِمَهُ الله، قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي حُبْلَى، فَأَخْبِرْنِي مَاذَا تَلِدُ، وَبِلَادُنَا مَحَلُّ جَدْبَةٍ، فَأَخْبِرْنِي مَتَى يَنْزِلُ الْغَيْثُ، وَقَدْ عَلِمْتُ مَتَى وُلِدْتُ، فَأَخْبِرْنِي مَتَى أَمُوتُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ( إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ) إِلى آخِرِ السُّورَةِ ..

جامع البيان لابن جرير الطبري، ج 20 ص:160 

 

أحكام الميم الساكنة:

الإدغام المتماثل: تدغم الميم الساكنة إذا جاء بعدها حرف واحد مثلها وهو (الميم) بحيث يصبحان حرفا واحدا مشددا مع الغنة، ولا يكون إلا في كلمتين.

مثال: لِيُرٍيَكُم مِّنَ ايَاتِهِ وتنطق ( لِيُرِيَكُمِّنَايَاتِهِ ) 

 

الإخفاء الشفوي: تخفى الميم الساكنة عند حرف واحد هو «الباء» مع الغنة، ولا يكون إلا في كلمتين.

الإظهار الشفوي: تكون الميم الساكنة مظهرة إذا وقع بعدها أي حرف من حروف الهجاء عدا الباء والميم، ويمكن أن يكون في كلمة أو في كلمتين.

مثال: إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ

 

شرح المفردات:

- يمده: يزد فيه بسعته مدادا

- ما نفدت: ما انتهت

- يولج : يدخل الليل في النهار

- أجل مسمى: يوم القيامة

- الفلك : السفن

- غشيهم : أحاط بهم الموج

- كالظلل : الجبال

- مقتصد : موف بالعهد

- ختار : من الختر وهو شدة الخيانة

- لا يغرنكم: لا يخدعنكم

- الغرور : الشيطان وكل ما يغر ويخدع

 

المعنى العام:

بيان الله عز وجل لسعة علمه وعظيم قدرته، من خلال تسخير الشمس والقمر والبحر وتعاقب الليل والنهار، مؤكدا سبحانه أن لجوء المشركين إليه في حال الاضطرار من أعظم الأدلة على وجوده وعظمته. 

 

المعاني الجزئية للآيات:

الآيتان: 27-26: بيان الله تعالى سعة علمه اللامحدود، وأن خلق الناس وبعثهم عنده كخلق نفس واحدة وبعثها.

الآيتان: 30-28: المظاهر الكونية الدالة على عظمة الله تعالى ووحدانيته كثيرة منها:

- تعاقب الليل والنهار.

- تسخير الشمس والقمر والبحر لمصلحة الإنسان.

الآيتان: 31: يبين سبحانه أن المشركين لا يعترفون بوجوده إلا في حال الشدة والضيق، و أن المانع الوحيد من إيمانهم هو الجحود والعناد.

الآيتان: 32: نداء من الرحمن يأمر فيه عباده بالتقوى، ويحذرهم من يوم القيامة وأهواله،  ومن الدنيا وزينتها، ومن الشيطان وتلبيساته.

الآيتان :33: يخبر سبحانه وتعالى على أنه مستأثر بمفاتيح الغيب الخمسة لا يعلمها إلا هو جل وعلا.

 

دروس وعبر:

- وجوب الإخلاص في الدعاء لله وحده في الشدة والرخاء.

- وجوب الخوف من الله تعالى وتوحيده.

- عدم الاغترار بزينة الحياة الدنيا وزخارفها. 

- تفرد الله سبحانه وتعالى بعلم الغيب.